2006/05/25

المشكلة .. قلة أدب


بداية .. لست أدافع .. لست أبرر .. ولكنني ببساطه .. أحلل .. من وجهة نظري الشخصية .. تحليلي لمواقف مررت بها في الفترة الأخيره
المشهد الأول :ـ
المكان : مصلحة الأحوال المدنية
الحدث : شخص يبدو من ملامحه أنه صعيدي يتوجه للموظف باستمارة استخراج بطاقة رقم قومي .. يحدث بينهم سوء تفاهم من النوع العادي جدا .. بل من النوع المتكرر يوميا في كل مكان .. لكن الموظف القرفان .. يقف في مكانه و يتوجه نحو الرجل و يقول له يا ابن الـ**** .... و تبدأ وصلة ردح من المقام الرفيع جدا .. الذي يعجز مقالي المتواضع عن حصر كمّ الكلمات التي نطقت .. بل و معاني الكثير منها .. لكن الخلاصه ان المناقشة الأدبية تلك انتهت بـذهول المواطن .. و احساس بالراحه من الموظف .. بمجرد مغادرة المواطن للمكان .. و تسير الحياة كما كانت قبلا مع الموظف المذكور بمجرد تناوله كوب شاي بالنعناع و كأن شيئا لم يكن
المشهد الثاني :ـ
المكان : مستشفى تعليمي عام
الحدث : طبيب .. و للدقة .. استاذ جامعي .. يجلس في مكتبه و يدخل عليه مريض مسّـن .. يبدو من هيئته أنه فلاح وغالبا غير متعلم .. يطلب منه المريض ان يوقع له استمارة صرف الدواء التي اعتاد صرفها شهريا من المستشفى .. لكنه لم يستطع التزام الطابور .. لأنه من شدة الألم لا يستطيع الانتظار وقتا أكثر .. السيد الدكتور .. لم يقل له كلمة متوقعه من مثل انتظر قليلا .. أو لا تقلق دورك جاي .. و هكذا كلمات من النوع الذي يريح القلب ويقضي المهمة .... لكن السيد الاستاذ الدكتور المحترم خريج الجامعات الطبية و زميل الكليات الملكية .. باغته مباشره بوصلة ردح لا تختلف في محتوياتها عن تلك التي حدثت في الموقف الأول .. و انتهت كذلك بمغادرة المريض للغرفة و هو في حالة ذهول .. استرعاني وقتها ان اوقفه و أسأله عن سبب المشكله و قال لي انه يتردد دائما لصرف العلاج .. و لا يجد من الاطباء الا الاسلوب الجاف إياه .. و كأنه "يتسول" هذا الدواء من جيبهم الخاص .. لدرجه تجعل آلامه تزداد في كل زيارة للمستشفى .. و لأنني كنت قد مررت بتجربة مشابهه في هذه المستشفى .. و لأنني رأيت عينيه جيدا في بريقها و نظرتها .. فأنا أصدقه .. في كل حرف قاله
المشهد الثالث :ـ
المكان : شارع رمسيس و نادي القضاة
الحدث : رجال الأمن المركزي يضربون بقوة مجموعة من الشباب الذين تملؤهم حماستهم و حبهم الصادق لبلادهم .. ورغبتهم الحقيقية في عدالة و حرية أكثر على أرض مصر ... يقفون الآن .. متسمرين .. مذهولين كذلك .. مما تتعرض له أجسادهم و أعراضهم و نفسياتهم من نهش متكرر بالعصي و الهراوات و اللكمات و الشلاليط و الكلمات البذيئة التي تتدفق في وصلات ردح متميزه بالنسبه لهم .. لكنها نفس الوصلات اياها تخترق آذانهم كأنها فواصل بين كل ضربة و الآخرى
التعليق :ـ
الوضع .. دائما كانت وصلة الردح قائمة .. و دائما كان المسؤول عن المكان يتصرف و كأنه ملكه .. دائما كان المسؤول عن المكان يتعامل مع الناس باستهتار و دونية .. دائما كان المواطن في هذه المواقف مستحقرا .. الوضع .. ان القضية ليست عسكري أمن مركزي سحل مواطن .. أو ضابط اهان سيدة و اعتدى على عرضها .. لكن القصه اكبر .. و احداثها اكثر تشابكا .. ربما لو استقيناها من واقعنا لزالت من اذهاننا اي لحظة استغراب من المشاهد التي رأيناها يوم محاكمة القضاةالقصة باختصار .. ان الافكار المسمومة في ادمغتنا جميعا .. تترجم يوميا في مئات المصالح الحكومية .. من هيئات .. مستشفيات .. أقسام شرطة .. و غيرها .. إلى واقع يمثل كمّ الاستهزاء بالمواطن .. و التقليل من آدميته .. فحين سب الموظف صاحب المعاملة .. و حين أهان الطبيب مريضه .. و حين ضرب الضابط المتظاهر الذي امامه .. كانوا جميعا وبرغم اختلاف ما فعلوا .. متفقين في تعاليهم عن الواقع .. و استنكارهم لحقيقة كونهم ( هم ) في خدمة المواطن و ليس المواطن متذللا يستجدي عطفهم و خدماتهم .. ونسوا جميعا ان تلك واجبات و ليست تفضلات من سيادتهم
بغض النظر عن تحليل المشهدين الاول و الثاني .. فما يهمني هو الثالث .. تحديدا .. ربما لما ناله من شهرة .. وما سمعته بعد ذلك من عبارات الاستغراب و الدهشه .. التي زالت سريعا من عندي بمجرد ان تذكرت المواقف التي سبقته .. كما ذكرتها لكم .. فاذا كان الطبيب مثلا .. الذي يتعامل مع البشر في اضعف حالاتهم .. تعاملا انسانيا عاطفيا بحتا .. و الذي يقضي يومه في ملابس بيضاء .. يتعامل مع الجنس اللطيف اكثر من تعامله مع الرجال بحكم كثرة الممرضات و الموظفات .. يحاول ان يخفف الألم عن من حوله .. بابتسامه أو حقنة أو دواء .. هذا الطبيب الذي يعيش حياة اقرب ما تكون لليسر و اللين .. تجده يسب و يلعن بألفاظ نابيه .. فما بالك بشخص تربى في كلية الشرطة أو معاهدها المختلفه .. على العنف و القسوة و الشدة .. بين الرجال دائما .. تعلم رياضات الكاراتيه و الجودو .. يتجول يوميا بين المجرمين و البلطجية .. في ملابس سوداء قاتمه .. يحمل معه سلاحه .. و في جعبته الكثير من القضايا الساخنة و الأخبار الملتهبة عن مروجي المخدرات و محترفي بيوت الدعارة .. أضف إلى ذلك وجود أوامر مباشرة من القيادات العليا باتخاذ كافة الاجراءات مع المتظاهرين مما يعطيهم غطاء نفسي و قانوني لأي تصرف .. فماذا تتوقع من شخص في هذه الأجواء .. ولماذا تتخيل أن يحس بتأنيب ضمير لأنه أهان شخص أو ضرب آخر حين يكون معك في نقاش يشبه ذلك الذي كان مع الطبيب .. فإذا كان الطبيب او الموظف أو المسؤول المدني .. قد أهانك .. و سبّك .. فماذا تتوقع من الضابط ؟؟ أعتقد ان رد فعله لن يقل عن ما نراه يوميا من ضرب على القفا .. أو شلاليط .. أو لكمات متتالية .. سواءا ما سمعنا عن حدوثه في أقسام الشرطة أو زنازين المساجين .. أو ما رأيناه بأعيننا في المظاهرات الأخيره .. كأول محك حقيقي بين رجال الشرطة و المواطن المصري .. ترصده عدسات الكاميرا .. !! إذن فالطبيب و الموظف و الضابط .. الكل أخطأ .. لكن لكل منهم بيئته .. و لكل منهم ظروف تترجم ما سبق و ذكرناه عن النظرة الدونية لمن حولك
مرة أخرى .. لست أبرر .. لكنني فقط اجد تفسيرات منطقية لما يحدث .. و احاول ان اؤكد على وجهة نظري .. المشكلة ليست في وزير الداخلية .. و لا ضباط الأمن .. و لن تحل باقالتهم .. او استبدالهم .. او حتى الغاؤهم من الحياة .. و لن يكون البديل ( مهما كان ) و أنا متأكد من ذلك .. حلاً لهذه المشكلة .. فجميع هذه العناصر جزء في سلسلة مصر .. والمشكلة في مصر .. مشكلة عامة .. مشكلة نظام .. مشكلة شعب .. مشكلة قلة أدب

1 comment:

د.نسمه said...

انت عارف يعنى ايه مستشفي عام و تعليمي يعني لا خيط جراحة ولا ممرضة و لا كرسي للمرضى و اكتر حاجة هناك الاهمال