2006/05/25

ثقافة الطابور .. و سياسة الرضى

الشعب المصري العظيم .. كان ولا يزال .. أحد أكثر الشعوب خفة في الظل .. و طولا في البال .. وصبرا على كل محال ... بل إنه أحد أكثر شعوب العالم قدرة على تحمل أصناف القهر و الاستبداد و التعذيب .. حتى و إن لاحت له بارقه الأمل .. لكي يستعيد السيطره على زمام الأمور .. فإنه و بكل بساطه يرفضها .. فقد استهوى العبودية .. و فضل الخنوع والانصياع .. على أن يقف وقفة رفض واحدة .. أمام من اهانوه .. و أذلوه .. !! تلك هي التركيبه المصرية المعاصرهالشعب المصري العظيم .. رفض فرصة .. قد تكون في باطنها " اشتغاله " .. لكنها في النهاية فرصه .. لكي يعبر عن نفسه .. و يحدد للجميع احتياجاته .. و يعيد رسم مساره .. !! تلك الفرصه التي منحها له من كتم حريته و أجهز على ما بقى من كرامته .. كانت يوم أعيد الاستفتاء على رئاسة الجمهورية .. و " تنحنح " ما يوازي 10% من الشعب المصري ليقولو كلمتهم .. بينما اكتفى الباقون بالوقوف في الطابورإن ثقافة الطابور .. هي تلك الثقافة التي توارثها الشعب المصري العظيم من قديم الأزل .. فبداية من المخطوطات الفرعونيه الجميلة جدا .. تجد الآلهه قد اصطفت في طابور عرض جميل .. اختاره فنانوهم العظماء دون مشاهد الجلوس او التجمع او الحركة .. اختاروا منها جميعا هذا الطابور الأزلي .. الذي أرجح أن له أبلغ الأثر في استمرارية هذه السياسه حتى يومنا هذا .. سياسية الطابور .. سياسة الرضى .. سياسة الخنوع و الانتظار .. فالمصريون اعتادوا وجود ( طابور ) دائم .. أمام الجمعيات الاستهلاكية .. و افران الخبز .. وفي المصالح الحكومية .. و امام منافذ بيع تذاكر مباريات الكرة .. او دور السينما .. بل و حتى أمام كشك عم زقزق بائع البانجو الشهير ... إن تلك الطوابير صارت سمة مصرية يخشى المواطن المصري أن يستيقظ صباحا ليجدها انقرضت .. كما يخشى تماما ألا يجد صورة السيد الرئيس و أخباره تنير الصفحات الأولى للجرائد المصرية و النشرات التليفزيونيه .. و لذا تجد المواطنين البسطاء يصطفون في طابور طويل عريض أنيق .. امام احد منافذ الجمعيات الاستهلاكية .. بينما المنافذ الاخرى خالية لا تجد من يقف بها رغم تقديمها لنفس الخدمة .. لكنها صارت نوع من الحميمية للطابور .. عيش وملح كما نقول .. !!! تلك هي الثقافة .. و تلك هي
العادات .. التي ما ان تتغير .. حتى نتغير .. و نغير مصرنا الحبيبة

** نشر في جريدة الدستور **

No comments: